-
الخميس, 2024-04-25, 2:59 AM
حزب الدعوة الإسلامية \ مكتب المعقل
الرئيسية | التسجيل | دخول
 تابع واستمع خطب الجمعة بيانات حزب الدعوة الإسلامية مدونة نور الحقيقة بين الماضي والحاضر

-->
المتواجدون الآن: 1
زوار: 1
مستخدمين: 0
الرئيسية » - » مسيرة وتاريخ الدعوة

حزب الدعوة الاسلامية - بحث وثائقي في مسيرة الدعوة
2012-10-19, 3:11 PM


لقد كتب الكثيرون عن (حزب الدعوة الإسلامية) منهم الأعداء ومنهم الأصدقاء ومنهم المحايدون، ولكن الجميع وقعوا في أخطاء ربما تكون مقصودة، خصوصاً عندما يكتب حزب البعث في العراق. فان حزب الدعوة الإسلامية كان العدو اللدود للحزب الحاكم منذ وصل البعث للسلطة في 17 / 7 / 1968.
وكان نظام البعث يتخبّط عندما يكتب عن حزب الدعوة الإسلامية يصفه أحياناً بأنه عميل للأجنبي دون أن يذكر من هو هذا الأجنبي ، وأخرى للنظام الفارسي، ويصفه دوماً بأنه (حزب الدعوة العميل).
وهناك مئات الوثائق بل الآلاف، بل الأطنان التي تكيل لحزب الدعوة كل التهم في محاولة لملء أسماع العراقيين (بالعمالة) ليحقق النظام في ذلك أمرين :
1 ـ ليعتقدوا فعلاً ان حزب الدعوة حزب عميل فلا يفكر احد بالانضمام والانتساب إليه.
2 ـ لئلاّ يتعاطفوا معه عندما يسمعون بالقسوة الشديدة التي كانت توجه للمنتسبين للدعوة ، بحيث أصبحت تطال أقرباءهم لحد الدرجة السابعة.
وكرّس النظام جهده ضد حزب الدعوة الإسلامية حتى أصبح العراق ينقسم في ولائه إلى جهتين:
حزب البعث وهو الحزب الحاكم.
حزب الدعوة وهو الحزب المعارض.
وتلاشت الأحزاب والحركات الأخرى من اهتمام حزب البعث، ويكاد لم يبق معارض قوي لحزب البعث إلاّ حزب الدعوة الإسلامية، على رغم الضربات القوية التي وجهت إليه خلال 35 عاماً.
وكان الذين يكتبون عن حزب الدعوة الإسلامية ربما يستندون في معلوماتهم إلى وثائق البعث أو إلى الذين يكتبون وكأنهم يستنبطون القضايا، كالمجتهد الذي يستنبط الأحكام الشرعية من خلال الروايات والقواعد التي يعتمدها.

***
اصوات عكس التيار

لن نجد شخصا في الدنيا ملكا كان او صعلوكا ، بل نبيا مرسلا او انسانا عاديا ، تتفق عليه كلمة الناس.
فالأنبياء المرسلون من الله سبحانه وتعالى قال عنهم معارضوهم انهم سحرة او مجانين وإنهم يجمعون حولهم السفهاء...
والملوك مهما بلغت سمعتهم وعظمتهم، فهناك من يقول عنهم إنهم طواغيت ظالمون، جبناء، بخلاء...
ولسنا نريد أن نقدم الادلة على ذلك، فالامر واضح وجلي لا يحتاج الى دليل وبرهان.
وإذا كان البشر هكذا فإن التجمعات الاخرى هكذا أيضا، الاحزاب والحركات والنوادي والجمعيات مهما بلغت مستوى عاليا من الدقة والتنظيم وخدمة الناس.
ماذا قال المخالفون عن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!!
وماذا قالوا عن إبراهيم الخليل عليه السلام.
وماذا قالوا عن موسى وعيسى عليهما السلام.
ولكن لم يتوقف عمل اولئك المرسلين، بقوا يعملون بجد ومثابرة ولم يتركوا جهادهم المتواصل ولم يتوانوا قيد أنملة، بل ربما يزدادون عملا واخلاصا.
فالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد موت عمه ابي طالب عليه الرحمة بدأ يذهب الى القبائل ويعرض نفسه عليهم ليعينوه في نشر رسالته الكريمة وذهب الى الطائف ولكنهم بدلاً من ان يتقبلوا فكرته ويدافعوا عنه كان صلى الله عليه وآله لا يرفع رجلا ولا يضعها حتى تأتيه الحجارة فتدمي قدميه الكريمتين.
وعجز عن السير وجلس الى جدار ، ولكنه بدلا من ان يدعو على اولئك المجرمين كان يدعو لهم فيقول: اللهم اهدهم إنهم لا يعلمون.
والمعارضة التي عاصرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدأت معه منذ دعوته الاولى.
كان يقول: قولوا لا اله الا الله تفلحوا، واستمرت المعارضة له حتى وفاته صلى اله عليه وآله وسلم.

***

وحزب الدعوة الاسلامية منذ تأسيسه وجد المعارضة والعنت ، بل وجد الحبس والتنكيل والقتل ومصادرة الاموال ، والكل فيه سواء ، الرجال والنساء ، الشيوخ والصبيان ، بل ان فيهم من بلغ تسعين عاما قتله صدام مثل آية الله السيد قاسم شبر ولم يسلموا جثمانه الى ذويه. وهكذا.
وفي الجلسة الاولى لتأسيس حزب الدعوة الاسلامية التي كان فيها الامام الشهيد محمد باقر الصدر وآية الله السيد مرتضى العسكري وآخرون عندما أدّوا القسم الذي يلتزم فيه الداعية بمواصلة العمل ما دام في الحياة كان السيد العسكري قد طلب من الشهيد الصدر ان يكون هو البادئ باعتباره فقيه الحاضرين، وليضفي في ذلك البركة على الحركة.
ولكن الشهيد الصدر طلب ان يكون السيد العسكري هو الباديء باعتباره اكبر الحاضرين.
وتشاحّا فيما بينهما ، واخيرا كان السيد العسكري هو الاول ومن ثم الشهيد الصدر ثم الشهيد السيد مهدي نجل المرجع السيد محسن الحكيم رحمه الله ثم الآخرون.
وقال السيد العسكري ، انني عندما اديت القسم كنت اعتقد إنني سوف أحمل الجبال على رأسي ، لا خوفا من السلطة وإنما من صيحات المتخاذلين والمتخلفين الذين يريدون ان يبقى كل شيء على ما كان وانه ليس هناك افضل مما كان.
وصدق رحمه الله فكانت المعارضة في بداية العمل ليست من الحكومة وإنما من اولئك المتخلفين.

***
وهناك حقيقة اخرى هي ان بعض من يريدون التسلق على الجدران ليسبقوا الآخرين في العلم والمعرفة وما الى ذلك ـ وهم جهلة واصفار على الشمال ـ ان اولئك يحاولون ان يجمعوا حولهم اصوات الجهلة ، تماما كالجاهل الذي يريد ان يتسابق مع العالم في تجمع كبير للجاهلين فيطلب الجاهل من العالم ان يكتب (افعى) فيكتبها هذا العالم ولكن هذا الجاهل رسم (افعى) وسأل الجاهلين: احكموا انتم أين (الافعى) هذه او تلك.
ولما كان الحضور جاهلا ، حكموا لهذا الجاهل.

***

ويذكر احدهم قضية حدثت لأحد الخطباء ، ذكر الشهيد السيد محمد باقر الصدر حيث كان هذا جاهلا، قال ـ ينتقد الشهيد الصدر ـ ماذا كتب الصدر؟ اقتصادنا وفلسفتنا، ما هذه الكتب؟
الم يكن من الاولى له أن يكتب عن الامام المهدي وكيف يعيش الآن ومن يهيء له طعامه وما الى ذلك.
سمع احدهم مقالة هذا المتغابي فقال إنها كلمة (مفلّس) لا يستطيع ان يقيّم العلم.

تمثل مسيرة حزب الدعوة الإسلامية تجربة على قدر كبير من الغنى والأهمية في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر، ولاتقتصر هذه الأهمية على الساحة العراقية فحسب، إنما تمتد لتشمل بعض البلدان الإسلامية، وذلك لأن نشاط حزب الدعوة توسع جغرافياً فخرج عن حدود العراق ومارس نشاطه في عدة دول أخرى بصورة مؤثرة وفاعلة. وعلى هذا فهو الحزب الإسلامي الشيعي الوحيد الذي إلتزم منذ البداية بالشمولية التنظيمية فلم يقتصر في عضويته ونشاطه على العراق والعراقيين، بل ضم في عضويته جنسيات مختلفة وصلت إلى مواقع قيادية ومسؤوليات هامة في هيكله التنظيمي منذ فترات تأسيسه الأولى وهي ظاهرة تستحق التأمل والدراسة عند محاولة تقييم الأسس النظرية والمتبنيات العملية لهذا الحزب الإسلامي الرائد.
ولم تشهد تجارب العمل الإسلامي تجربة حركية مماثلة لتجربة الدعوة الإسلامية، من حيث البناء الفكري والمواصلة العملية وقوة التأثير على الساحة، وهذا ما جعل منه موضع رصد ودراسة الأجهزة المختصة في مراكز القوى الأقليمية والدولية. ولا نظن أن هناك حركة أو حزباً إسلامياً (مثل حزب الدعوة الإسلامية) وصلت إلى مستوى التأثير في الساحة الاجتماعية بحيث صار يمثل صفة تطلق على كل من يلتزم الإسلام بوعي وحركية. وفي هذا المجال يكون حزب الدعوة الإسلامية هو الحزب الثاني بعد جماعة الأخوان المسلمين من حيث الموقع الاجتماعي والسياسي في العالم الإسلامي.
منذ بداية الثمانينات بدأ إهتمام الباحثين بدراسة حزب الدعوة الإسلامية وذلك بعد أن دخل مرحلة المواجهة مع نظام الحكم في العراق، وبدأت آثاره تظهر في أكثر من ساحة إسلامية. وقد صدرت الدراسات الأولى في الصحافة الغربية، ثم أعقب ذلك صدور دراسات إسلامية عن تاريخه ودوره في الساحة العراقية. وفي نظرنا أن الدراسات التي تناولت هذا الحزب الإسلامي لم تستطع أن تحيط بحركته بشكل متكامل رغم الجهود العلمية التي بذلها بعض الباحثين في دراساتهم، ومردّ ذلك يعود إلى الأسباب التالية:
أولاً: ان الدراسات التي تناولت تاريخ ومسيرة حزب الدعوة الإسلامية ركزت على جانبه السياسي بالدرجة الأولى، ورغم أن هذا الجانب له أهميته الكبيرة في مسيرة الحزب، إلاّ أن حزب الدعوة في حقيقته يمتلك بعداً فكرياً وإجتماعياً له أهمية تفوق حركته السياسية، وحسب رؤيتنا لمسيرته فإن قوته السياسية ما كانت لتتم لولا القاعدة الفكرية الصلبة التي يستند عليها والتي إنطلق منها في تصميم حركته السياسية. كما أن قاعدته الجماهيرية وتأثيراته الاجتماعية هي التي مكنته من القيام بالمهمة السياسية بشكل قوي وفاعل.
ثانياً: ركز الباحثون في دراساتهم على الفترة التي خاض فيها حزب الدعوة الإسلامية كفاحاً مسلحاً معارضاً ضد السلطة الحاكمة في العراق، وإنطلقوا من هذه الفترة في محاولة فهم مجمل التاريخ العام للدعوة الإسلامية. وهذا ما جعل الكثير من الدراسات تتأثر في تفسير تاريخ ما قبل المواجهة بمجريات الأحداث والمواقف التي أفرزتها المواجهة، بمعنى أن الدراسات نظرت إلى ماضي الحركة بعين الحاضر ووفق مقاييسه.. فكان الحاضر بالنسبة لها هو الأساس في فهم الماضي والمنطلق نحوه. وهذه منهجية معكوسة تماماً، إذ أن الماضي لايفهم إلاّ من خلال ظروفه وأجوائه الخاصة.. كما أن منهجية البحث التاريخي تفرض أن يكون الماضي هو المنطلق نحو الحاضر.
إن الفارق كبير جداً بين هاتين المنهجيتين، فالأولى التي إعتمدها الكثير من الباحثين فرضت عليهم أن يتأثروا بجو المواجهة ويتعاملوا معه على أنه خلاصة تاريخ الدعوة الإسلامية ومحور حركتها، في حين أن المواجهة لم تبدأ إلاّ حين إنتهت مرحلة كاملة من مسيرة الحزب، وهي المرحلة التغييرية التي دامت أكثر من عقدين من الزمن والتي كان لمجرياتها وتفاعلاتها ونتائجها السبب الأهم في تفجر المواجهة مع النظام الحاكم في العراق. وعلى هذا فأن هذه المنهجية أوقعت معتمديها في الكثير من الأخطاء عند محاولتهم تفسير مسار الدعوة الإسلامية وتحليل مواقفها، لأنها قامت على أسس غير صحيحة إن لم نقل سطحية.
إن المنهجية التي نؤكد عليها في دراسة حزب الدعوة الإسلامية ـ أو أي حركة تاريخية ـ تبدأ من الجذور وتدرس الظروف العامة التي ولدت فيها وفق مقاييس تلك الظروف، ثم تنطلق منها في تفسير الخطوات اللاحقة وصولاً إلى المراحل القريبة أو الحاضرة.
ثالثاً: كتب الكثير من الباحثين دراساتهم عن الدعوة الإسلامية من خارج جهازها التنظيمي، ولذلك لم يكن بمقدورهم فهم جو الحركة بالشكل المطلوب والكافي. وهذه مشكلة تواجه الباحث عند محاولته دراسة أي حركة أو حزب سري، لأن للأحزاب أجواءها الخاصة التي لايمكن أن تُستوعب من خلال القراءة والسماع والتحليل، إنما تحتاج إلى معايشة واعية من داخل جسم الحركة. وهذا ما نلاحظه في الدراسات التي تناولت العديد من الحركات السياسة كالاخوان المسلمين والحزب الشيوعي. فقد صدر عدد كبير من الكتب والدراسات حول هاتين الحركتين، لكنها لم تصل إلى مستوى العدد المحدود جداً من الكتب التي كتبها الأعضاء المرتبطون بهما. فكتاب (ذكريات لامذكرات) للاستاذ عمر التلمساني رسم صورة واضحة المعالم عن جماعة الأخوان المسلمين من المتعذر أن نجدها في أي كتاب آخر من الكتب الكثيرة التي كتبها باحثون من خارج الجماعة.
كما أن كتابات مالك سيف، وعزيز الحاج عكست صورة الحزب الشيوعي العراقي بشكل يفوق في أهميته الكتابات الأخرى، رغم أن أصحابها بذلوا جهوداً علمية كبيرة في دراساتهم. وقد حاول الشيوعيون التقليل من قيمة وأهمية كتابات مالك سيف، وعزيز الحاج على أساس أنهما تركا الحزب الشيوعي واتخذا موقفاً سلبياً منه، لكن هذا في نظرنا لايقلل من أهمية كتاباتهما باعتبار أن ما تناولاه كان يختص بالفترة التي عاشا فيها داخل الحزب الشيوعي.
إن المعايشة مسألة أساسية في دراسة الحركات التنظيمية لأنها تمكن الكاتب من النظر إلى الحركة من الداخل.. هذه النظرة التي من خلالها يمكن معرفة أجواء صنع القرار وظروف اتخاذ الموقف. إضافة إلى أنها تعطي التحليل والتقييم صفة موضوعية قريبة جداً من الحقيقة، وهذا ما لايمكن أن يتاح للباحث الذي يستند إلى معلومات خارجية أو إلى ما قيل وكتب عن الحركة.
وبعبارة واحدة إن المعايشة هي المصدر الموثوق الأول في دراسة أي حركة سرية.
وعليه سوف نقوم باستنطاق تلك المصادر والتعرف على تاريخ الحزب من خلال المعايشة الت كانت لاؤلئك الافراد.

كيف نكتب تاريخ الأمس

لم تظهر إلى الآن دراسة علمية تتناول بالبحث والتحليل، ظاهرة الأحزاب الإسلامية، سواء من الناحية الاجتماعية أو السياسية، فكل الذي كُتب في هذا المجال يتركز حول الجانب التاريخي. مع ملاحظة أن ما كُتب يشكل نسبة ضئيلة من ناحية الكم، إذ يمكن بسهولة رصد الكتب التي تناولت العمل الحزبي الإسلامي وحصرها في بضعة كتب. وفي مقابل ذلك نلاحظ أن هناك دراسات عديدة تناولت الأحزاب العلمانية ودرستها بتوسع سواء أكانت كظاهرة سياسية أو ككيانات تنظيمية.
وقد يتصور البعض أن مردّ ذلك يعود إلى قلة الأحزاب الإسلامية، وعدم وجود تجارب حزبية اسلامية مقارنة بالأحزاب العلمانية، مما لايسمح بالكتابة عن النشاط الحزبي الإسلامي إلاّ في حدود ضيقة، وأن محدودية العدد لاتشكل ظاهرة تستدعي الدراسة والبحث.
وفي تصورنا أن قلة الكتابة والبحث في هذا المجال يعود إلى أسباب أكثر عمقاً من ذلك، لعل في مقدمتها الموقف من النشاط الإسلامي الحديث بشكل عام، ومحاولة مصادرة الموقف الإسلامي في صناعة الحدث التاريخي، وإيجاد تفسيرات غير إسلامية للأحداث التي شهدتها بلادنا وعاشتها أمتنا خلال المرحلة القريبة الماضية من تاريخنا المعاصر. وهذا ما يبدو بوضوح في محاولة تفسير المواقف الكبيرة التي صنعها علماء ومراجع الدين في تصديهم للهجمة الإستعمارية، وفق وجهات نظر قومية وماركسية، وقد شهدت المكتبة التاريخية الكثير من الدراسات التي صوّرت التاريخ المعاصر على أنه نتاج لعوامل قومية ووطنية ومادية بعيداً عن الدوافع الإسلامية والموقف المبدأي الذي وقفه علماء الشيعة تجاه الغزو الاستعماري.
لقد كانت كتابة التاريخ على الدوام مسألة هامة في حساب الحكومات، لأنها تمثل عملية تربوية وتثقيفية مؤثرة في حياة الشعوب، ومن هنا خضعت كتابة التاريخ لرقابة وتوجيه السلطات. فكان من الطبيعي والحالة هذه أن تنحسر وجهة النظر الإسلامية في كتابة التاريخ، في مقابل الإتساع المدعوم للكتابات غير الإسلامية.مما جعل التفوق الكمي يميل إلى الكتابات الأخرى بشكل كبير مقارنة بالكتابات الإسلامية.
وهناك عامل آخر في هذا السياق، وهو أن الإهتمام الجاد في كتابة التاريخ الإسلامي المعاصر ولاسيما فيما يتعلق بالساحة العراقية باعتبارها المركز التاريخي للمرجعية الدينية، ظهر في فترة متأخرة تعود إلى أوائل الثمانينات، وكان للمهاجرين الإسلاميين الفضل في محاولة كتابة التاريخ الإسلامي المعاصر وإبراز الدور المشرق للمراجع وعلماء الدين الشيعة في صناعة الأحداث.
لكن المشكلة التي رافقت هذه النهضة التدوينية، هي تأثر الكتابة والبحث بالجو السياسي السائد في المعارضة العراقية عموما والإسلامية على وجه الخصوص. فخلال الثمانينات كانت العلاقات بين فصائل المعارضة الإسلامية العراقية تعيش أزمة حقيقية.. بحيث كان يصعب إلتقائها في عمل مشترك رغم وحدة الفكر والهدف والمحنة. وقد وصلت الحساسية فيما بينها لدرجة انسحابها إلى الشارع والأوساط الجماهيرية، وتقسّم الناس في المهجر على أساس التقسيم السياسي لأطراف المعارضة الإسلامية، مما شكّل ظاهرة سلبية في الجانب الاجتماعي. فبدل أن يتوحد أبناء الشعب العراقي من مهاجرين ومهجرين في صف واحد، فإنهم توزعوا على إنتماءات متقاطعة يصعب جمعها وتوجيهها في طريق موحد. وقد تركت هذه الظاهرة آثارها على الكثير من أبناء الشعب العراقي، حيث تضاءل الأمل في نفوسهم وفقدوا الثقة في القيادات المتصدية، فراحوا ينظرون إلى ما يطرح في الساحة على أنه شعارات مجردة خالية من المضمون الحقيقي للعمل الجاد.
والأخطر من ذلك أن أطراف المعارضة أرادت توظيف الجمهور في صراعاتها وحساسياتها مع بعضها البعض، فكانت عملية توجيه الإعلام والعمل الثقافي بمختلف مجالاته في اتجاه الأزمة. وأخذت بعض صحف المعارضة الإسلامية تخصص على صفحاتها مقالات تنال من هذا الطرف وذاك، بدل أن يكون همها الأول توعية الجمهور وتحشيده روحياً ومعنوياً لصالح القضية الإسلامية.

في هذا الجو المشحون كان التاريخ جزءاً من معادلات الأزمة، ورقماً من أرقام الصراع، فقد حاولت الأطراف المتنافسة كتابة التاريخ الإسلامي الحديث حسب وجهة النظر التي تخدم مصالحها وأغراضها، وهي عملية على قدر كبير من الخطورة كما هو واضح، فالتاريخ مسؤولية كبيرة يجب أن تحاط بالحياد الموضوعي وبالطابع العلمي النزيه، وأن أكبر إساءة للتاريخ هي محاولة توظيفه للمصالح الذاتية وإخضاعه للمزاج الخاص. لكن سخونة الجو وإحتدام الصراع شغل بعض الكتاب عن هذه المسؤولية، وجعلهم ينساقون في تيار الأزمة فنسوا رسالة القلم ومسؤولية الكلمة.
وفي ضوء ذلك ظهرت الكثير من المقالات والدراسات والأحاديث والتصريحات الصحفية التي حاولت رسم صورة التاريخ الإسلامي الحديث حسب ما تقتضيه مصالحها، فكانت النتيجة أن طُرح أكثر من تاريخ لوقائع قريبة، وقُدم أكثر من تفسير لمواقف لاتزال عالقة في ذاكرة العراقيين.
ونستطيع أن نقدر حجم الخسارة التي مُنيت بها الحقيقة التاريخية، نتيجة إخضاع المجال التاريخي للعامل السياسي. كما نستطيع أن نقدر الخطورة المترتبة على ما حدث عندما تتحول الأحاديث الصحفية والمقالات والكتابات الأخرى إلى مصادر تاريخية يرجع اليها الباحثون فيما بعد، فيستندون في دراساتهم على معلومات كتبت في أجواء الإنفعال والحساسيات الملتهبة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أنه توسع أكثر من ذلك عندما برزت محاولات عديدة من قبل أطراف المعارضة الإسلامية لعرض وتفسير أحداث التاريخ منذ مطلع هذا القرن وفق رؤى منتمية. وكان من الطبيعي أن يستتبع ذلك كلام حاد من قبل هذا الطرف ضد الآخر كرد فعل على ما صدر منه من تفسير لحدث تاريخي سابق، وكانت الردود لا تخضع للجانب العلمي ولا تنطلق من رغبة موضوعية في دراسة التاريخ، بقدر ما كانت منطلقة من دوافع وأجواء المعركة السياسية والإعلامية.
لقد ظهرت محاولات كتابة التاريخ الإسلامي الحديث في العراق، في الوقت الذي كانت فيه المعركة السياسية بين فصائل المعارضة العراقية تدور حول مسألة مشروعية العمل الحزبي. حيث تعرض العمل الحزبي الإسلامي لحملات شديدة شككت في شرعيته من الأساس، واتهمت إطروحة الحزب بأنها إطروحة منحرفة بعيدة عن الإسلام، وكان المستهدف من هذه الحملة (حزب الدعوة الإسلامية)، وقد حاول اللاحزبيون بكل إسلوب توجيه الطعن لحزب الدعوة.

كانت الحملة التي واجهها الحزب، تحمل الكثير من التهم والتشكيكات التي كانت تصدر بعد تفكير ودراسة من قبل خصومه، ويمكن تلخيص العناوين الرئيسية لها بما يلي:

اولا: إن العمل الحزبي صيغة غربية أدخلها المستعمر الكافر في بلاد المسلمين لتمزيق الساحة وبث الفرقة بين صفوف الأمة الواحدة.
ثانيا: ان الامام الشهيد الصدر حرّم العمل الحزبي، وأن حزب الدعوة على هذا الاساس يخالف الشهيد الصدر.
ثالثا: ان الجمهورية الإسلامية في ايران تعارض العمل الحزبي، ولابد لحزب الدعوة أن يطيع إرادة الجمهورية الإسلامية وينهي وجوده. وأن الجمهورية الإسلامية تتبنى إطروحة (حزب الله) ويجب الالتزام بهذه الاطروحة ونبذ ما سواها من صيغ حزبية.
رابعا: ان حزب الدعوة لايؤمن بنظرية ولاية الفقيه التي طرحها الامام الخميني، ولايلتزم بولايته على المسلمين، لأن للحزب فقيهه الخاص به.
خامسا: يقلد اعضاء حزب الدعوة السيد الخوئي الذي لايؤمن بولاية الفقيه، في حين أن المطلوب من الجميع تقليد الامام الخميني والانضواء تحت قيادته.
سادسا: يسير حزب الدعوة نحو الانحراف وأن مصيره سيكون مثل مصير منظمة مجاهدي خلق التي إنحرفت ومارست أعمالاً إجرامية ضد الثورة الإسلامية والشعب الايراني المسلم.
هذه بعض عناوين التهم التي وجهت لحزب الدعوة الإسلامية، والقائمة تطول لو أتينا على ذكرها.

في مقابل ذلك دافع حزب الدعوة الإسلامية عن أطروحته وعمله وتوجهاته، مرتكزاً على الشواهد التاريخية والوثائقية، ويمكن تلخيص العناوين الرئيسية لذلك بما يلي:

أولا: إن العمل الحزبي هو إسلوب من أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يحدد الإسلام إسلوباً معيناً في الدعوة والتبليغ والتغيير على اساس الإسلام، بل ترك المجال مفتوحاً أمام المسلمين حسب مقتضيات الظروف. وأن أئمة أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم مارسوا العمل المنظم بشكل أو بآخر في العديد من الفترات، نظراً لأن الحاجة كانت تملي إعتماد الاساليب السرية المنظمة.
ثانيا: ان حزب الدعوة الإسلامية ولد في أحضان الحوزة العلمية والمرجعية الدينية، فمؤسسه هو الامام الشهيد السيد الصدر قدس سره، وقد حضي الحزب بدعم وحماية المرجع الامام السيد محسن الحكيم قدس سره. وأن الشهيد الصدر حرّم إنتماء قسم من طلبة الحوزة العلمية المرتبطين بجهاز المرجعية فقط وليس كل الطلبة، وأنه طاب ثراه رفع هذا التحريم فيما بعد وكان حتّى إستشهاده على تنسيق دائم ومستمر مع قيادة الحزب حول أهم وأخطر القضايا التي تتعلق بالمواجهة مع النظام الحاكم في العراق.
ثالثا: ان الجمهورية الإسلامية لاتعارض العمل الحزبي، وهناك أحزاب اسلامية ولدت قبل إنتصار الثورة وظلت تمارس نشاطها في ظل الدولة الإسلامية، كما أن قادة الثورة ورجالها البارزين أسسوا الحزب الجمهوري الإسلامي بعد إنتصار الثورة مباشرة.
رابعا: ان حزب الدعوة يؤمن بولاية الفقيه إيماناً مطلقاً وقد تحدث عن موقفه في العديد من نشراته الداخلية وفي أدبياته وصحافته وتصريحات مسؤوليه. وانه يؤمن بأن ولاية الفقيه متمثلة بالامام الخميني الذي يجب طاعته والانضواء تحت لوائه والسير في ظل قيادته.
خامسا: ان أعضاء حزب الدعوة يرون في الامام الخميني قائداً ومرجعاً وأن الحزب ولأول مرة في تاريخه نادى بمرجعيته إذ لم يسبق له أن تبنى رسمياً الترويج العلني لمرجعية بالإسم. وأن الحزب على كامل الاستعداد لحل نفسه فيما لو أصدر الامام الخميني أمره بهذا الشأن.
سادسا: ان حزب الدعوة الإسلامية يستمد أفكاره من الإسلام الأصيل وفق مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وأن نظرياته وطروحاته وأدبياته لاتصدر إلاّ بعد مراجعتها وإمضائها من قبل مجموعة من العلماء والمجتهدين المشهود بكفاءتهم العلمية وسلامة خطهم الفكري والسياسي.

وهناك عناوين أخرى في مقابل الإتهامات الأخرى التي واجهت حزب الدعوة، وما ذكرناه يكفي لإيضاح الصورة.
إن كل عنوان من العناوين الأولى كان يطرح من خلال مقالات ودراسات وأحاديث علنية على مدى سنين عديدة، لم يكن بالإمكان إنهاء تلك الحالة عن طريق الحوار العلمي، لأن ما كان يحدث إنما هو نتيجة أجواء الاختلاف الحاد والتنافس السياسي والأزمة الساخنة، ولم يكن للجانب الموضوعي أي مجال في ذلك الجو.
لقد كانت التهم تصل إلى درجة بعيدة كل البعد عن الإنصاف.

إن من الطبيعي أن تتأثر الكتابات التاريخية التي صدرت في تلك الفترة بالأجواء المضطربة آنذاك بما تميزت به من حساسيات وخصومات غير مبررة على الإطلاق. ولعل الباحث اذا ما عاد إلى تلك الكتابات وقرأها بتجرد موضوعي، فأنه سيتعرف على مدى التأثر والانفعال الذي سيطر على الكتابات والمعالجات التاريخية لوقائع التاريخ الحديث.
لا أريد أن يفهم القارىء الكريم أنني أتهم جميع الكتابات التي تناولت أحداث التاريخ المعاصر، ولكني أحاول التمييز بين نمطين من الكتابات التاريخية التي ظهرت منذ الثمانينات في ساحات الهجرة:
الأول: هناك كتابات صدرت نتيجة ظروف الأزمة السياسية بين فصائل المعارضة الإسلامية، فكانت جزءً من معركة إعلامية، وهذه الكتابات تناولت تفسير الاحداث التاريخية أو إعادة صياغتها وفق مصلحة خاصة، كما أنها دونت الأحداث المتصلة بمرحلة المواجهة مع نظام الحكم في العراق، تحت تأثير حالات الانفعال والتنافس، الأمر الذي يقلل من قيمتها التاريخية كمصدر يمكن الرجوع اليه عند دراسة تاريخ هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العراق.
الثاني: هناك كتابات ظهرت في هذه الفترة لكنها كانت تتسم بالموضوعية والحيادية، وهذه الكتابات تناولت أحداث ما قبل المواجهة أو مابعدها في دراسات ومقالات وكتب، محدودة من ناحية الكم لكنها ذات قيمة علمية تستحق التقدير. وقد ساهمت في سدّ النقص في الكتابات الحديثة لتاريخنا الإسلامي القريب.
إن ملاحظتنا هي مع النمط الأول من هذه الكتابات، وهي التي نوجه اليها اللوم والنقد، لأنها لم تتمسك بالحيادية العلمية ولأنها أدخلت وقائع التاريخ في معركة كان من الواجب على الجميع إطفاء نارها منذ البداية، وكان على أصحاب القلم أن يلقوا بأقلامهم على أقل تقدير، بدل أن يزجوا بها في معركة أضعفت الصف الإسلامي، ولم ينتفع من ورائها إلاّ الخصوم الحقيقيون للإسلام وللخط الإسلامي في المعارضة العراقية.
لقد إستهلكت تلك المعارك الإعلامية والكلامية جهود وطاقات الكفاءات الإسلامية، في الوقت الذي كنا فيه جميعاً بحاجة إلى أبسط جهد من أجل التقارب واللقاء.
لقد اتيت على هذا الحديث إنطلاقاً من ضرورة التشخيص الصريح وعرض الواقع كما هو، من أجل المساهمة في رسم خطوات الحاضر والمستقبل من خلال الحوار الهادئ وتضافر الجهود مع بعضها البعض.
وسوف يجد القارىء أن هناك شواهد صريحة إلى حدود بعيدة، وما مردّ ذلك إلاّ لضرورة تجاوز حالات المجاملة، واللجوء إلى الصراحة من أجل خدمة الحقيقة التاريخية التي تشكل منطلقاً في الحاضر ونحو المستقبل، وهذا ما نحتاجه في كتابة تاريخنا كجزء من المسؤولية التي يتحملها الجميع من أبناء أمتنا الإسلامية.
في ضوء ما تقدم يجب إعادة النظر في ما كتب حول تاريخ المواجهة مع نظام الطاغية في العراق، وضرورة كتابة هذه المرحلة الحساسة من تاريخنا الإسلامي. إنها مسؤولية أصحاب القلم من المثقفين والباحثين والإعلاميين، وعلينا أن نبادر إلى تصحيح ما كتبناه في ظروف الأزمة وفي أجواء الانفعال، قبل أن يتحول إلى مادة تاريخية تسيء إلى التحرك الإسلامي بشكل عام، لاسيما وأن الأقلام المغرضة من أعداء الإسلام ستتخذ من ذلك مادة لتشويه حقيقة الجهاد الإسلامي، وفي ذلك خسارة لنا جميعاً.
لقد مضت فترة من الزمن على تلك الأجواء المعقدة، ولابد من نظرة هادئة ومراجعة موضوعية لما حدث وما كتب، لاسيما وأن تجربة الأيام الماضية قد نبهت الجميع إلى ضرورة الابتعاد عن الانفعال وأجواء التأزم. يضاف إلى ذلك أن جماهير الشعب العراقي قد سأمت حالة الاختلاف والتشنج في القول والفعل، وقد اكتسبت من خلال التجربة الكثير من الوعي والاستيعاب والنضج، مما يستدعي أن يكون الخطاب بمستوى وعيها وفهمها، لا أن يتأخر عنها ويظل أسير أزمة صارت جزءً من التاريخ.
ومع أن المهمة التاريخية وكما ذكرنا مسؤولية الكتاب والباحثين، فانها في هذه الحالة أصبحت مهمة جماهيرية أيضاً لأن أبناء الشعب العراقي الصابر تعرفوا من خلال الوعي الذي إمتلكوه على سير الأحداث ومجريات الأمور، مما يشكل في حقيقته رقابة واعية على الكتابة التاريخية. وهذه مسألة هامة لها دورها الإيجابي الكبير، وذلك عندما تكون الأمة هي الرقيب والشاهد على ماضيها وحاضرها، حيث تصبح عملية كتابة التاريخ أقرب إلى روح الأمة، وبذلك تمتلك الوثائقية الصحيحة، فليس هناك مصدر أوثق من ذاكرة الشعوب.

منتديات ياحسين
الفئة: مسيرة وتاريخ الدعوة | أضاف: almaaqal
مشاهده: 1113 | تحميلات: | الترتيب: 0.0/0
Copyright MyCorp © 2024